القدس المحتلة- منذ 12 يوما لم يسطع في سماء مخيم شعفاط وبلدة عناتا وضاحية السلام سوى نجم الشاب عدي التميمي، ولم يأفل نجمه أو يخفت بعد انتشار خبر ارتقائه بل زاد سطوعا مع انتشار صور ومقاطع فيديو من موقع عملية إطلاق النار الثانية التي نفذها عند مدخل مستوطنة معاليه أدوميم.

أكثر من 3 آلاف شاب زحفوا نحو منزل عائلته بمجرد التأكد من هوية الشهيد، وهناك هتفوا وصفقوا وأطلقوا الألعاب النارية تارة، وبكوا تارة أخرى، ليس لأن جسد عدي غاب بل لأن الوطن خسر هذه الهامة، وفقا لابن المخيم (ث.أ).

 

في حديثه للجزيرة نت عن الأجواء التي سادت المخيم، قال هذا الشاب إن حالة من العز والفخر عمّت مخيم شعفاط وضاحية السلام التي كان يسكنها عدي، وإن المشهد كان مهيبا في حضرة اسم هذا الشاب الصغير.

مطارِد وليس مطاردا

يقول الشاب “رغم برودة الطقس فإن السماء كانت شبه صافية والقمر واضحا لم تحجبه الغيوم.. كان الجو لطيفا بتحليق روح عدي حولنا رغم رحيل جسده.. عدي لم يكن مطاردا بل طاردهم ولم يهرب منهم بل هاجمهم”.

وتمكن التميمي رغم صغر سنه من الدوس على كامل المنظومة الأمنية لدولة تدّعي أنها عظمى، وفقا لـ(ث.أ) الذي أكد أن الجميع التف حول الشهيد وعائلته منذ اللحظة التي نفّذ بها العملية الأولى، بدءا من تعسير مهمة البحث عنه عبر إحراق كاميرات المراقبة، مرورا بحلق الرؤوس وتكثيف ذكر الاسم عبر الرسائل والمكالمات لتضليل المخابرات الإسرائيلية، وليس انتهاء بدعم عائلته والحضور معها بشكل دائم.

ومنذ اليوم الأول كان لهذ الالتفاف الأثر الكبير في التخفيف من هول ما تمر به العائلة من ملاحقة تمثلت بدهم المنازل واعتقال أصحابها والتحقيق معهم وإغلاق مصادر رزقهم، وتحوّل عدي التميمي إلى أيقونة ليس على الصعيد الفلسطيني فحسب بل العربي، حسب وصف (ث.أ).

 

حاولت الجزيرة نت التحدث مع والدة عدي لكن شقيقتها اعتذرت، وقالت إنها متعبة بخاصة أنها أنكرت في البداية أن يكون الشاب الذي نشرت صوره هو ابنها، وبعد ساعات من حالة الإنكار أيقنت أن نبض قلبه توقف فعلا، فانهارت الأم الثكلى التي ما زالت تخضع لعقوبة الحبس المنزلي بعيدا عن منزلها في ضاحية السلام.

مدخل مستوطنة معاليه أدوميم حيث استشهد الشاب عدي التميمي (الفرنسية)

ولد عدي في شهر نوفمبر/تشرين ثاني عام 1999، وكان يفترض أن يطفئ شمعة عيد ميلاده الـ23 بعد أسابيع، لكن إعدامه على يد حراس مستوطنة معاليه أدوميم مساء أمس الأربعاء حال دون ذلك.

سيل من الأسئلة يدور في مخيلة الأم التي تعلم أن جسد ابنها يُحتجز منذ ساعات في صقيع ثلاجات الاحتلال، وأن تحريره منها لن يكون بالأمر السهل، فكيف يمكن أن تنعم بالدفء ما دام سيخفي الصقيع ملامح وجه عدي؟ وكيف ستبدو ملامح الأيام المقبلة مع استمرار اعتقال نجلها قاسم بتهمة مساعدة شقيقه في الهروب بعد تنفيذ العملية الأولى ومحاولة تشويش مجريات التحقيق؟

كيف ستعيش هذه الأم مع الواقع الجديد المظلم الذي قد يكون أقل فصوله قسوة ارتقاء عدي مقبلا غير مدبر؟ ومع انعدام الإجابات عن معظم الأسئلة وانعدام إمكانية الحديث معها، حاولت الجزيرة نت الحديث مع زوجها، لكن محامي العائلة خلدون نجم قال إن الوالد توجه صباحا إلى محكمة الصلح لحضور جلسة محاكمة نجله قاسم، ولم يمكث هناك طويلا بعد ورود اتصال من أحد الأقارب ليخبره أن زوجته متعبة، فغادر المحكمة للاطمئنان عليها.

استشهد نجله وزُجّ بالآخَر في زنزانة انفرادية يقبع بها منذ 13 يوما، وانهارت زوجته عندما أيقنت أن عدي رحل وما زال رب الأسرة يمارس دوره محاولا نشر السكينة وحماية أفراد عائلته المكونة من 7 أفراد، وبعد رحيل عدي أصبحت تتكون من 6 أشخاص يواجهون مستقبلا قاتما.

“مش ابني”

قالت خالة عدي إن الأم رددت طوال ساعات بعد مشاهدة الصور عبارة “لا مش (ليس) ابني، هذا مش ابني” وما زالت حالة من الصدمة تسيطر عليها حتى الآن، وعن صفات الشهيد قالت الخالة “كان مبتسما في كل الأوقات ويحب أداء الواجب مع جميع الناس في أفراحهم وأتراحهم.. الله يرحمه عدي ما في منه”.

عم الشهيد كامل التميمي قال إن عدي عاش طفولة هادئة وإنه كان يهوى ممارسة الرياضة والتحق بناد رياضي، مضيفا أن حياة العائلة الممتدة انقلبت رأسا على عقب منذ تنفيذه العملية الأولى.

 

“رغم قسوة خبر ارتقائه والصور ومقاطع الفيديو التي وصلتنا، فإن الجميع شعر بنوع من الراحة لأن عدي ارتاح الآن من المطاردة وعرف والداه أن هذه هي النهاية”، كما أضاف كامل.

وعلى منصات التواصل تم تداول وصية نُسبت للشهيد عدي التميمي كتبها بخط يده في 11 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وجاء فيها “عمليتي في حاجز شعفاط كانت نقطة في بحر النضال الهادر.. أعلم أنني سأستشهد عاجلا أم آجلا، وأعلم أنني لم أحرر فلسطين بالعملية ولكن نفذتها وأنا واضع هدفا أمامي؛ أن تُحرك العملية مئات من الشباب ليحملوا البندقية بعدي”.

المصدر : الجزيرة

About Post Author