تعجز الشابة العربية البدوية لميس الجعار عن النوم منذ تعرّضها لهجوم على أيدي مستوطنين هاجموها مع شقيقاتها وأحرقوا سيارتهن في الضفة الغربية المحتلة.
تروي العجار التي تحمل الجنسية الإسرائيلية أنها كلما أغمضت عينيها ترى وجوه مهاجميها وتستيقظ مذعورة.
ففي التاسع من أغسطس/آب الجاري كانت الجعار تقود سيارتها متجهة من مدينة رهط في النقب في جنوب إسرائيل إلى مدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة، ومعها طفلتها إيلاف (عامان ونصف) وشقيقتاها رغدة ونوفة وابنة نوفة هند.
وعندما ضللن الطريق صادفن سيارة تحمل لوحة إسرائيلية فسألن سائقها باللغة العبرية عمّا إذا كانت الطريق تؤدي إلى نابلس فردّ بالإيجاب، “لكن ما إن تقدّمنا قليلا، أيقنّا أنها ليست الطريق، فحاولنا العودة، لكن ذلك السائق سدّ لنا الشارع بسيارته”.
وتتابع “فوجئنا بعد ذلك بأن مجموعة مستوطنين يلاحقوننا ويرشقوننا بالحجارة من الخلف، وآخرين من التلال. لا أذكر من شدة الخوف كم كان عددهم. أحاط بنا نحو 10 مستوطنين مسلحين، وبعد أن تحطّمت السيارة وتحطّم زجاجها، رشّونا بالغاز ونحن فيها”.
ووصفت الشرطة الإسرائيلية ما حصل بالحادث الخطير الذي استخدمت فيه “الحجارة” و”التهديد بالسلاح” و”إحراق” السيارة، بعد “دخول عن طريق الخطأ” إلى نقطة غفعات رونين الاستيطانية.
واعتقلت الشرطة وجهاز الأمن العام (شين بيت) “4 مشتبه بهم” على خلفية “هذا الاعتداء الخطير”. وتقول لميس إن أحد المستوطنين “رشّ الغاز في وجه طفلتي، وقلت له حرام عليك، فوجّه رشّاشه نحو رأسها”.
و”غفعات رونين”، جزء من مستوطنة “هار براخا” اليهودية جنوب نابلس، ويسيطر عليها “شباب التلال”، وهو تنظيم يهودي ديني متطرف يطالب بأن تصبح الضفة الغربية أرضا يهودية.
وتضيف رغدة “بدأ الدم يسيل من رأسي من الخلف بعد أن أصبت بحجر. كنت على اتصال مع الشرطة الإسرائيلية التي طلبت مني تحديد موقعنا وإرساله لهم عبر الهاتف. لكن تطبيق الخرائط كان يظهر كأننا في القاهرة”.
وتشير إلى أنها خرجت من السيارة “وقلت للذي يقف أمامي بسلاحه إننا نحمل الجنسية الإسرائيلية. نحن جئنا من بئر السبع وضللنا طريقنا. فطلب مني هاتفي النقال بعد أن عرف أنني اتصلت بالشرطة. رفضت إعطاءه إياه، فألقى حجرا كبيرا على قدمي، مما تسبّب بكسرها”.
وتستعين رغدة في بيت والدها “بمشاية” حديدية للسير، بينما قدمها ملفوفة بجبيرة. وتقول إن رجلا هددهن قائلا “لن تخرجن من هنا على قيد الحياة”، مضيفة “قلت لشقيقاتي: سيحرقنا ونحن في السيارة، لنهرب”.
إعلان
وخرجن كلهن من السيارة وركضن هاربات، “فقام المستوطنون على الفور بإشعال النيران بالسيارة”، وفق قول رغدة. وأنقذهن في النهاية جنود وعناصر شرطة إسرائيليون.
وأثارت هذه الحادثة غضبا بين عرب أراضي 1948، وزار العائلة أعضاء عرب في الكنيست الإسرائيلي. كما استنكر إسرائيليون كذلك ما حصل، وتعاطفوا مع العائلة.
واتصلّ الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بالعائلة وعبّر عن تضامنه معها وشجب الحادث، وفق ما جاء في بيان صادر عن مكتبه. وأضاف أنه “مصدوم”، وأن “جميع الإسرائيليين لهم الحقّ في معاملة تقوم على المساواة والاحترام”.
ويقول والد النساء عدنان الجعار “زارتنا وفود عربية من كل حدب وصوب، كما زارتنا مجموعات من الإسرائيليين اليهود، وهذا يخفّف مصابنا”.
ويعيش في إسرائيل نحو 300 ألف بدوي، بشكل رئيسي في صحراء النقب. وهم جزء من المجتمع العربي الذي يشكّل ما يقرب من خُمس سكان إسرائيل البالغ عددهم 9.3 ملايين. ويشكون من التمييز والتهميش.
وارتفعت نسبة اعتداءات الجنود والمستوطنين الإسرائيليين على سكان الضفة الغربية منذ بدء الحرب على قطاع غزة قبل أكثر من 10 أشهر.
وزار عضو الكنيست ماتان كوهن عائلة الجعار، وقال إنه “حادث تنفطر له القلوب”.
كما زارت العائلة الإسرائيلية نوعا ابنستاين تيننهاوس مع عائلتها وقد جلب ابنها الصغير هدية لإيلاف ابنة لميس. وقالت تيننهاوس (41 عاما) “نحن عائلة يهودية إسرائيلية، نشعر بالاشمئزاز”.
وأضافت “أنا أم لأربعة أطفال. أصغرهم يبلغ من العمر 3 سنوات، مثل إيلاف. وتخيّلت نفسي في موقف لميس في السيارة وأنا أتعرّض لهجوم من هؤلاء الوحوش”.