
يلماز أكد على أن الاقتصاد التركي يواصل الحفاظ على توازنه رغم الضغوط العالمية (الأناضول)
كشف نائب الرئيس التركي جودت يلماز -أمس الإثنين- عن تفاصيل البرنامج الاقتصادي متوسط المدى للفترة 2026 و 2028، وذلك في مؤتمر صحفي عقد بالمجمع الرئاسي في العاصمة أنقرة، بمشاركة وزير المالية محمد شيمشك، ومحافظ البنك المركزي فاتح قرة هان، وعدد من كبار المسؤولين.
وأوضح يلماز أن الاقتصاد التركي يواصل الحفاظ على توازنه رغم الضغوط العالمية الناجمة عن التضخم والتوترات الجيوسياسية، مشيرا إلى أن السياسات المتبعة في العامين الماضيين ساعدت في رفع الاحتياطيات الدولية إلى مستويات قياسية تاريخية، بما عزز الثقة بالاقتصاد الوطني.
وأكد أن البرنامج الجديد يتوقع تحسنا ملحوظا في ميزان الحساب الجاري بما يقلل حاجة البلاد إلى التمويل الخارجي، مشددا على أن الخطة تحمل تعديلات جوهرية في التوقعات الرسمية، من بينها رفع تقديرات التضخم وخفض أهداف النمو مقارنة بالخطط السابقة، إلى جانب تحديث مستهدفات البطالة وتقليص عجز الحساب الجاري.

تضخم مرتفع
أظهر البرنامج الاقتصادي متوسط الأجل للفترة 2026 و 2028 زيادة ملحوظة في توقعات التضخم مقارنة بالخطة السابقة، فقد رُفعت تقديرات تضخم أسعار المستهلك لعام 2025 إلى مستوى 28.5%، بعدما كانت 17.5% فقط في البرنامج السابق، كما حدد معدل التضخم لعام 2026 عند 16% بدلا من 9.7% المتوقعة سابقا، على أن يعود إلى خانة الآحاد بحلول عام 2027 عند 9%، ثم يستقر عند 8% في عام 2028.
وبذلك تأجل هدف الوصول بالتضخم إلى مستوى 5% الرسمي لعامين إضافيين مقارنة بالبرنامج السابق (2024 و 2026)، الذي كان يستهدف خفض التضخم إلى 15.2% في 2025 والوصول به إلى 8.5% بحلول 2026.
وتؤكد هذه المستجدات أن البرنامج الجديد يضع تقديرات أكثر واقعية تتماشى مع توقعات البنك المركزي التركي (27–29% للتضخم في 2025)، بعدما وُصفت تقديرات الخطة السابقة بأنها متفائلة بدرجة كبيرة، كما شدد البرنامج على أن الهدف الإستراتيجي يظل إعادة التضخم إلى مستوى أحادي دائم في نهاية المدى المتوسط، من خلال اتباع سياسات نقدية ومالية صارمة ومنسقة.
نمو متباطئ
وأظهر البرنامج تراجعا واضحا في مستهدفات النمو مقارنة بالخطة السابقة، فقد خُفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2025 إلى 3.3% بدلا من 4%، فيما جرى تعديل مستهدف عام 2026 من 4.5% إلى 3.8%، وتراجع مستهدف عام 2027 من 5% إلى 4.3%، أما عام 2028 فحدد له معدل نمو قدره 5% كخاتمة لفترة البرنامج.
وبالمقابل، كانت الخطة السابقة (2024 و 2026) قد وضعت أهدافا أعلى، حيث توقعت نموا نسبته 4.5% لعام 2025 و5% لعام 2026، مع الحفاظ على وتيرة قريبة من 5% سنويا ضمن أفقها الزمني.
بهذا الشكل تظهر الخطة الجديدة مسارا أكثر تحفظا في توقعات النمو، مع فارق يصل إلى نحو 0.7 نقطة مئوية أقل في مستهدفات الأعوام 2025 و 2027 مقارنة بالبرنامج السابق.
وأظهر البرنامج توقعات أكثر تفاؤلا بشأن سوق العمل، إذ تشير التقديرات إلى أن معدل البطالة سيتراجع تدريجيا من 8.5% في نهاية 2024 إلى 8.4% في 2025، ثم إلى 8.2% في 2027، ليستقر عند 7.8% بحلول 2028.
وبالمقارنة -كانت الخطة السابقة (2024–2026) أكثر تشاؤما- حيث توقعت أن تبلغ البطالة 9.9% في 2025 وأن تنخفض تدريجيا إلى نحو 9.3% في 2026.
تحسن الميزان التجاري
تشير الخطة الاقتصادية الجديدة إلى توقع تحسن في مؤشرات القطاع الخارجي، إذ يتوقع أن يتراجع عجز الحساب الجاري إلى ما يعادل 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، ثم إلى 1.3% في 2026، قبل أن يستقر عند 1.2% في 2027 وينخفض إلى 1% بحلول 2028، وفي القيم المطلقة، يقدر أن ينخفض العجز من 22.3 مليار دولار في 2026 إلى نحو 18.5 مليار دولار في 2028.
وبالمقارنة، كان البرنامج السابق (2024 و 2026) يتوقع نسبا أعلى عند 2% من الناتج في 2025 و1.6% في 2026، وهو ما يعكس فارقا واضحا في الأهداف الجديدة التي جاءت أكثر تشددا في تقليص الاعتماد على التمويل الخارجي وضبط الاختلالات في الميزان التجاري.
وتتوقع الخطة الجديدة ارتفاع الصادرات تدريجيا من 273.8 مليار دولار في 2025، إلى 282 مليارا في 2026، ثم 294 مليارا في 2027 وصولا إلى 308.5 مليار دولار بحلول 2028، بينما كانت الخطة السابقة أكثر طموحا، إذ استهدفت بلوغ 302.2 مليار دولار في 2026.
أما على صعيد الواردات، فتشير التقديرات الجديدة إلى بلوغها 367 مليار دولار بنهاية 2025، ثم 378 مليارا في 2026 و393 مليارا في 2027، وصولا إلى 410.5 مليار دولار في 2028، في المقابل، كان البرنامج السابق يتوقع واردات عند حدود 390.6 مليار دولار في 2026، وتكشف هذه الأرقام أن الخطة الجديدة تفترض نموا أبطأ للواردات مقارنة بالتصورات السابقة، انسجاما مع أهداف السيطرة على التضخم وضبط الطلب المحلي.
ويشمل البرنامج أيضا مستهدفات المالية العامة، حيث يتوقع خفض عجز الموازنة تدريجيا إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي في 2026، ثم إلى أقل من 3% بحلول 2028، وهو مستوى يتوافق مع معايير الانضباط المالي الدولية مثل معيار ماستريخت الأوروبي.

واقعية اقتصادية
يرى المحلل الاقتصادي محمد أبو عليان، أن البرنامج الاقتصادي الجديد يمثل انتقال تركيا إلى مرحلة جديدة من الواقعية الاقتصادية، وليس مجرد تعديل فني للأرقام.
وأشار في حديث “للجزيرة نت” إلى أن رفع توقعات التضخم بشكل ملحوظ وتأجيل العودة إلى خانة الآحاد يعبران عن اعتراف بالواقع الاقتصادي، حيث أصبح كبح التضخم المحور الأساسي حتى ولو جاء ذلك على حساب خفض النمو.
كما أوضح أن تقليص أهداف النمو من 4–5% إلى 3–4% يعكس استعداد الحكومة للقبول بنمو أبطأ مقابل تعزيز الثقة بالسياسات الاقتصادية، بخلاف النهج السابق الذي كان يطرح أرقامًا طموحة غالبًا تصطدم بالواقع.
وأضاف أن تقديرات البطالة جاءت أدنى من المستويات المتوقعة في الخطط السابقة، ما يشير إلى رهان الحكومة على إصلاحات هيكلية تمكنها من خلق فرص عمل جديدة حتى في ظل معدلات نمو معتدلة.
ولفت أبو عليان إلى أن الواقعية الاقتصادية لا تقتصر على الداخل، بل تمثل أيضا رسالة للخارج، خصوصا للمستثمرين الدوليين، بأن أنقرة تتبنى نهجا أكثر تحفظا ومتوافقا مع التقديرات العالمية، بما يعزز من مصداقية السياسة الاقتصادية التركية.