الملصق الدعائي لمسلسل "ما تراه ليس كما يبدو - فلاش باك" (حساب آي إم دي بي على إنستغرام)

الملصق الدعائي لمسلسل "ما تراه ليس كما يبدو - فلاش باك" (حساب آي إم دي بي على إنستغرام)

بينما تتجه الدراما العربية إلى القوالب المألوفة والأنماط التجارية السريعة، جاء مسلسل “ما تراه ليس كما يبدو” ليكسر هذه القاعدة، مقدما تجربة غير تقليدية تعتمد على الغموض النفسي والحكايات المتعددة.

حاول العمل أن يضع المشاهد في مواجهة مباشرة مع أسئلة الحقيقة والوهم، الإدراك والخيال، عبر بناء سردي متجدد في كل حكاية، لكنه محكوم بخيط فلسفي واحد: ما نراه قد لا يكون هو الواقع فعلا، الحقيقة دائما نسبية، وإدراك الإنسان للعالم من حوله محكوم بزاوية رؤيته وتجربته الخاصة.

اعتمد المسلسل على صيغة الحكايات المنفصلة المتصلة، إذ يتكون من 7 قصص لكل منها أبطالها وأحداثها وصانعيها، هذا التنوع في السرد منح المشاهد حالة من التشويق والتجدد المستمر، غير أن كثرة النهايات المفتوحة أربكت المتلقي وأضعفت بعض الحكايات.

بلاك ميرور بالعربي

مع عرض الحكاية الأولى “فلاش باك” التي قام ببطولتها أحمد خالد صالح ومريم الجندي، والتي اعتمدت على تداخلات زمنية تجمع بين الماضي والحاضر في محاولة من البطل لتغيير مسار المستقبل وإنقاذ حبيبته، استحضر بعض المشاهدين أجواء المسلسل الشهير “بلاك ميرور” المعروف بطرحه للجوانب المظلمة من الحياة والتكنولوجيا، وما يصاحبه من ديستوبيا وغموض ونهايات مفتوحة على أكثر من تأويل.

ورغم أن المقارنة تبدو حاضرة، فإن الفارق يبقى واضحا لصالح النسخة الأجنبية بما تمتاز به من حبكات محكمة، وأداء تمثيلي رفيع، وتقنيات إنتاجية متطورة.

مع ذلك، لا يمكن إغفال جرأة صناع مسلسل “ما تراه ليس كما يبدو” في خوض تجربة مختلفة عن السائد، قريبة في روحها من الأعمال العالمية للتشويق والغموض، مع محاولة الحفاظ على خصوصية الطرح المحلي. وقد نجح العمل في جذب شرائح واسعة من المشاهدين وزيادة قاعدة متابعيه حكاية بعد أخرى، على الرغم من أن هذا النوع الدرامي عادةً ما يجذب فئة محدودة من الجمهور.

نهايات ذكية أم مربكة؟

بداية مشوقة، وسط مهلهل، ونهاية غامضة هذا ما اتسمت به حكايات “فلاش باك” “بتوقيت 2028” و”أنت وحدك”، إذ لعبت الأولى والثانية على فكرة السفر عبر الزمن، في حين انتمت الأخيرة إلى فئة “سايكولوجيكال ثريلر”، في حين دارت أحداث الحكايات الثلاث في إطارٍ تتشابك فيه العلاقات الإنسانية مع الألغاز الخفية.


 

فالأبطال يعيشون حالة من الشك المستمر، إذ تتبدل أمامهم الوقائع بطريقة تجعل المتلقي يتساءل معهم: هل ما يحدث حقيقة ملموسة أم انعكاس لصراعات داخلية؟ وأمام تدرج السرد الدرامي بين محطات تكشف عن أسرار الماضي وأخرى تبني توترات جديدة في الحاضر، منحت الحبكة بعدا دائريا يتداخل فيه الزمان والمكان.

اعتمدت القصص الثلاث على عنصر المفاجأة، إذ جاءت بعض الأحداث على غير توقع، وهذا ما عزز من حالة الترقب. إلا أن كثرة الالتواءات السردية جعلت بعض الحلقات تميل إلى الإطالة خاصة مع إعادة بعض المشاهد الكاملة دون داع.

وهو ما أفقد المشاهدين تركيزهم أمام غموض متكرر من دون حلول واضحة في اللحظة المناسب، خاصة في ظل نهايات مفتوحة تحتمل تأويلات متعددة ومربكة وهو وإن كان ذكيا أو مقبولا بالبداية، إلا أن تكراره في أكثر من حكاية أصاب الجمهور بالإحباط.

 

من الفانتازيا إلى الواقع

وبالنظر إلى حكايتي “هند” و”الوكيل”، فقد خالفا النمط السائد بالحكايات الأخرى، وفي حين اقتبست “هند” عن قصة حقيقية جاءت أشبه بالميلودراما الطاغية، استعرضت قصة “الوكيل” عالم السوشيال ميديا وكيف يتم استغلال المؤثرين/الإنفلونسرز أو يقوم بعض منهم بتزييف الحقائق لكسب المشاهدات أو خدمة أجندات خارجية.

وهي الحكاية التي جاءت شديدة المباشرة والسطحية والأسوأ بين كل ما قدم حتى الآن من فرط سذاجتها والرسائل المحفوظة التي تبناها أصحابها. ومع أن الحكايتين حافظتا على مبدأ “ما تراه ليس كما يبدو” كفكرة عامة، لكنهما بدتا خارج السياق الذي غلب عليه الغموض والتشويق والماورائيات، وهو ما تأكد مع بدء عرض الحكاية السادسة “ديجافو” التي أعادت الدفة إلى مرساها الأول.

 

بين الرموز والإيحاءات

على الصعيد الفني، يمكن اعتبار الموسيقى التصويرية أبرز عناصر القوة في العمل، إذ جاءت مكملة للأحداث، ودعمت مشاهد التوتر والغموض، كما أضفت طابعا مميزا على بعض اللحظات المحورية. يليها أصالة الأفكار التي حملت قدرا من الطزاجة، رغم ما شابها من ملاحظات تستحق النقاش.

أما على مستوى الإخراج، فقد سعى المخرج إلى الحفاظ على لغة بصرية قائمة على الرموز والإيحاءات، مع توظيف زوايا تصوير مبتكرة، والاعتماد على اللعب بالإضاءة والظلال لتعزيز البعد النفسي للأحداث، وإبراز فكرة أن جميع الشخصيات تعيش تجربة البحث عن حقيقة ناقصة.

في المقابل، شكّل الأداء التمثيلي نقطة الضعف الأبرز، إذ اتسمت معظم الأدوار الرئيسية بالمبالغة، بينما بدا العجز واضحا في المشاهد التي تطلبت إظهار مشاعر أكثر تعقيدا مثل الحيرة والشك والتردد. وهذا بدا لافتا خاصة مع منح الفرصة لعدد من الممثلين الذين يخوضون تجارب بطولة أولى.

ورغم ذلك، يمكن استثناء تارا عماد التي قدمت أداءً أكثر نضجا في المشاهد القائمة على الانفعالات الداخلية المركّبة، وإن ظل أداؤها أقل إقناعا في المشاهد الدرامية التقليدية.


 

محاولة للخروج عن السرد التقليدي

في النهاية، يمكن القول إن “ما تراه ليس كما يبدو” هو تجربة درامية جريئة وغير مألوفة، تستحق الوقوف أمامها بوصفها محاولة للخروج عن السرد الخطي التقليدي، والاقتراب من دراما نفسية قائمة على الغموض والتجريب.

تجربة حاولت أن تنقل المشاهد من دائرة الاستهلاك السهل إلى مساحة التأمل والتفكير، وفتح الباب أمام أعمال أخرى قد تتبنى نمط الحكايات المستقلة داخل عمل واحد. ورغم ما شابها من بطء أحيانا وإفراط في النهايات المفتوحة، فإنها تستحق أن تحسب كخطوة مميزة في مسار الدراما المصرية والعربية نحو مزيد من التنوع والابتكار.

لقد ترك المسلسل أثرا واضحا في ذاكرة متابعيه لا لكونه عملا كاملا بلا عيوب، بل لأنه طرح أسئلة صعبة رغم تفاوته بين القوة والقصور، وترك مساحة للمشاهد كي يكون شريكا في إعادة بناء المعنى والأهم إعادة النظر في ما يظنه حقيقة.

المصدر: الجزيرة + مواقع إلكترونية
 

About Post Author