مع التكنولوجيا الحديثة أصبحت العديد من الأجهزة التقنية بمثابة عيون وآذان خفية، تجمع البيانات (شترستوك)
قد تظن أن منزلك يوفر لك الأمان والخصوصية، ولكن مع التكنولوجيا الحديثة تغير كل ذلك، إذ أصبحت العديد من الأجهزة التقنية بمثابة عيون وآذان خفية، تجمع البيانات أو حتى تبث الصوت والفيديو بهدوء دون معرفتك، ولهذا فإن معرفة الأجهزة التقنية التي تبدو بريئة ولكنها تعمل كأجهزة تجسس يمكن أن تساعدك على استعادة خصوصيتك وأمانك، وسنذكر أبرز 6 أجهزة تجسس خفية قد تكون في منزلك.

أجهزة التلفاز الذكية
أصبحت أجهزة التلفاز الذكية جزءا ثابتا من حياتنا اليومية، فهي لم تعد مجرد وسيلة لمشاهدة البرامج، بل أصبحت منصة شاملة للبث وتصفح الإنترنت وحتى للتحكم في الأجهزة المنزلية الذكية -وكل ذلك من على الأريكة- ولكن خلف هذه الواجهة اللامعة، تقوم العديد من هذه الأجهزة بجمع بيانات المستخدمين بصمت، مثل كل ضغطة زر وكل عملية بحث وحتى كل برنامج تشاهده.
والسبب الرئيسي في ذلك يعود إلى ميزة تُعرف باسم التعرف التلقائي على المحتوى “إيه سي آر” (ACR)، وهذه الميزة لا تكتفي بتتبع ما تبثه عبر الإنترنت، بل تستطيع أيضا تحديد ما تُشغله عبر مدخلات “إتش دي إم آي” (HDMI)، سواء كان فيلما على قرص “بلو راي” أو لعبة فيديو أو حتى مشاهدة التلفاز التقليدي.
وتلتقط شركات مثل “سامسونغ” و”إل جي” و “فيزيو” هذه البيانات وتجمعها بطريقة منظمة لبيعها إلى المعلنين، وقد غُرّمت شركة “فيزيو” بمبلغ 2.2 مليون دولار عام 2017 بعد أن ثبت أنها جمعت بيانات المشاهدة من ملايين المنازل دون علم أو موافقة أصحابها، ورغم أن القضية أثارت ضجة وقتها، فإن ممارسات التتبع لم تتوقف تماما، بل أصبحت مدفونة داخل سياسات الخصوصية الطويلة والمعقدة التي يتجاهلها معظم المستخدمين عند إعداد أجهزتهم.
وتزداد المخاوف عندما يحتوي التلفاز الذكي على كاميرا مدمجة، فحتى لو غطيت العدسة أو عدّلت الإعدادات لجعل الجهاز أكثر خصوصية، يبقى الإحساس بعدم الأمان قائما، وكأن التتبع لا يزال يحدث من وراء الكواليس.

أجهزة تتبع اللياقة البدنية والساعات الذكية
عندما ظهرت الأجهزة القابلة للارتداء لأول مرة، كان الهدف منها المساعدة على عيش حياة صحية، ولقد نجحت بالفعل، فهذه الأجهزة تعرف متى تستيقظ ومتى تنام وتحدد عدد دقات قلبك وما إذا كنت قد تكاسلت عن تمارينك المعتادة، بل إنها تعرف حتى موقعك في كل مرة تمارس فيها رياضة الجري، ولكن المريب في هذه الأجهزة أنها ترسل هذه البيانات إلى خوادم سحابية تديرها شركات تسعد بمشاركة البيانات أو بيعها.
وفي عام 2018، كشف تطبيق “بولار” (Polar) للياقة البدنية تفاصيل حساسة عن جنود وأفراد عسكريين دون قصد، بما في ذلك أسماؤهم ومواقع قواعدهم العسكرية الدقيقة، من خلال بيانات لياقتهم البدنية فقط، ويبدو أن هذه الأجهزة لا تتبع اللياقة البدنية وحسب بل الأمر يأخذ أبعادا أعمق.

المساعدات الصوتية ومكبرات الصوت الذكية
تعمل أجهزة مثل “أمازون إيكو” (Amazon Echo) و “غوغل هوم” (Google Home) على الاستماع الدائم إلى كلمات التنبيه مثل “أليكسا” (Alexa) أو “هاي غوغل”، ولكنها أحيانا تُسجل أكثر مما ينبغي، فقد تؤدي عمليات التفعيل غير المقصودة إلى تسجيل محادثات خاصة تبقى محفوظة على خوادم الشركات، ورغم تأكيد الشركات أنها لا تتجسس على المستخدمين، فإن الخبراء يحذرون من أن هذه الأجهزة يمكن أن تتحول إلى أدوات تجسس محتملة إذا حصل اختراق أو تلاعب بها.
وفي عام 2019 حدث تسريب لأكثر من ألف محادثة بواسطة مكبرات الصوت الخاصة بشركة غوغل في بلجيكا وهولندا، ورغم أن معظم المقاطع كانت قصيرة وسُجلت أثناء استخدام الأشخاص للجهاز بشكل طبيعي، فإن 153 مقطعا كان لمحادثات لم يكن من المفترض تسجيلها أساسا.
وفي عام 2018 اكتشفت عائلة من بورتلاند أن جهاز “أمازون إيكو” سجّل مقطعا من محادثة خاصة وأرسلها إلى شخص عشوائي من جهات الاتصال، وذكرت امرأة من العائلة أن أحد موظفي زوجها اتصل بالعائلة ليخبرهم أنه تلقى رسالة نصية تحتوي على تسجيل صوتي لإحدى محادثاتهم حول الأرضيات الخشبية، وقالت “أشعر بانتهاك كامل للخصوصية مع هذا الجهاز، ولن أستخدمه مرة أخرى”.
وللحد من هذه المخاطر، يُنصح بحذف سجل التسجيلات الصوتية بانتظام، وإيقاف تشغيل الميكروفون عند عدم الحاجة إليه، إذ يمكن لإجراءات بسيطة كهذه أن تقلل من احتمالات التجسس غير المقصود.
أجهزة المنزل الذكية
كل جهاز ذكي جلبته إلى منزلك يضيف نقطة بيانات جديدة عنك، على سبيل المثال يعرف منظم الحرارة متى تكون في المنزل أو خارجه، وتعرف المصابيح الذكية مواعيد نومك واستيقاظك، بينما تُسجّل كاميرا الجرس من يزورك، وحتى كاميرات الأمان التي صُمّمت لحمايتك، يمكن أن تتحول بسهولة إلى وسيلة لمراقبتك.
ففي عام 2019 تمكن هاكر من اختراق كاميرا مراقبة للأطفال من نوع “فريدي تاوكوكو” (Fredi Taococo)، حيث تحدث عبر الكاميرا مع طفلة تبلغ من العمر 3 سنوات قائلا “أنا أحبك”.
ومن الجدير بالذكر أن جميع البيانات التي تُسجلها الأجهزة الذكية تُرسل مباشرة إلى خوادم سحابية تمتلكها الشركات، حيث تُحلل صورة دقيقة عن حياتك اليومية على مدار الساعة، ويمكن لتلك الشركات أن تستنتج متى تطبخ عادة وما نوع المشتريات التي تفضلها، وحتى عدد المرات التي تستخدم فيها المكنسة الكهربائية، وقد يبدو ذلك مبالغا فيه، لكنه في الواقع يوضح مدى دقة المعلومات التي تسعى هذه الشركات إلى جمعها.

أجهزة تتبع البلوتوث
تبدو أجهزة التتبع عبر البلوتوث مثل “إير تاغ” من آبل أو “تايل” (Tile) كأدوات بريئة ومنقذة، إذ يمكن استخدامها بطرق ذكية عديدة مثل العثور على المفاتيح أو الأمتعة المفقودة، ولكن القصة تأخذ منحى مختلفا تماما عندما تُستخدم لأغراض أخرى.
في ولاية فلوريدا أُبلغ عن أكثر من 150 حالة تتعلق بتتبع غير قانوني باستخدام أجهزة تتبع مخفية عام 2021، من ضمنها حالة موظف أخفى “إير تاغ” في سيارة صديقته السابقة ليتمكن من تعقب تحركاتها.
وفي ولاية كاليفورنيا، رفعت امرأتان لورين هيوز وجين دو دعوى قضائية ضد شركة آبل بسبب استخدام أجهزة “إير تاغ” في تعقبهما، إذ قالت هيوز إنها تعرضت للمطاردة من قبل حبيبها السابق بعد أن ثبّت جهاز “إير تاغ” على أحد إطارات سيارتها، أما المرأة الثانية فادعت أن زوجها وضع جهازا مشابها في حقيبة طفلهما بهدف التتبع.
وحتى لو لم يضع أحد جهاز تتبع في حقيبتك، فهذه الأجهزة لا تتوقف عن التواصل، فكل إشارة صغيرة تُرسل بين جهازك وأي هاتف آيفون قريب تُضاف بسرية إلى قاعدة بيانات الموقع الضخمة التابعة لشركة آبل.
ورغم أن الشركة تؤكد أن هذه البيانات مجهولة الهوية ومشفرة، فإن الوثوق في شركة تقنية عملاقة تقدر قيمتها بمليارات الدولارات بألا تستغل هذا الكنز من البيانات لتحقيق الأرباح هو رهان لا يرغب الجميع في خوضه.

الهواتف الذكية
الجهاز التقني الذي يُعد أداة تجسس مثالية هو هاتفك الذكي، فهو يعرف معلومات عنك أكثر مما يعرفه عنك أهلك وأصدقاؤك وربما حتى أنت نفسك، إذ يعرف الأماكن التي زرتها وما تبحث عنه وماذا تشاهد ومع من تتحدث، وكل تطبيق تثبته في هاتفك هو في النهاية قناة تجسس إضافية، فبعض التطبيقات تتعقب موقعك حتى عندما لا تستخدمها، والبعض الآخر يجمع معلومات عنك من خلال جهات اتصالك وصورك والميكروفون، بالإضافة إلى المستشعرات مثل مقياس التسارع لمعرفة سرعة تحركاتك.
ولا تظن أن تعديل بعض الإعدادات يخلصك من المراقبة، الهواتف مصممة لتتبعك بدءا من نظام التشغيل إلى مزود الخدمة إلى التطبيقات، كلها تريد حصة من حياتك، ومع ذلك في كل سنة نقف في طوابير للحصول على الطراز الأحدث، مبتسمين بينما نحمل معنا جهاز تتبع متطورا للغاية، وهو الجهاز الذي دفعنا ثمنه بأنفسنا.
