مهرجان الإسكندرية يكشف عن أقوى 10 أفلام سياسية في تاريخ السينما المصرية

الملصق الدعائي للنسخة الـ41 من مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط (الجزيرة)
في منتصف تسعينيات القرن الماضي، احتفلت السينما المصرية بمرور مئة عام على دخول الفن السابع إلى مصر، تحت عنوان “100 سنة سينما”. عنوان طموح لاحتفالية خاصة شملت عدة فعاليات، من بينها استفتاء نظمه مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته العشرين لاختيار قائمة بأفضل مئة فيلم مصري في القرن العشرين. شارك في هذا الاستفتاء العديد من النقاد وصناع السينما، وأشرف عليه الكاتب سعد الدين وهبة، رئيس المهرجان في ذلك الوقت.
منذ ذلك الحين، لم تكف الأصوات عن المطالبة بتحديث القائمة لتضم أعمالا لاحقة تستحق التقدير، إلا أن الطريق لم يكن سهلا؛ فمثلا، هل تُضاف هذه الأعمال إلى القائمة القديمة، ما يترتب عليه إعادة النظر في تقييم بعض الأفلام التي سبق اختيارها؟ أم يُستكمل الجديد ضمن القائمة، ما يعني زيادة عددها؟
هكذا ظل المشروع معلقًا، تاركا فكرة الاستفتاء على القوائم تتأرجح بين القبول والرفض، ومفسحا المجال أمام عدة مبادرات، من بينها مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، الذي اعتاد في السنوات الأخيرة تقديم استفتاءات لأهم القوائم، بدءًا من قائمة أهم مئة فيلم كوميدي في الدورة 38، ثم قائمة أهم مئة فيلم غنائي واستعراضي في الدورة 39، وصولا إلى قائمة أهم مئة فيلم رومانسي التي أطلقتها الدورة الأربعون العام الماضي.
مع الإعلان عن الـ10 الأوائل في قائمة أفضل مئة فيلم سياسي، يتجه المهرجان الآن للكشف عن بقية الأفلام تباعًا، تمهيدًا لانطلاق الدورة الجديدة مطلع الشهر القادم. تأتي هذه المبادرة بهدف المساهمة في توثيق ذاكرة السينما المصرية وإبراز دور الأفلام بمختلف أنواعها في تشكيل وعي الأجيال، وهو ما أكده رئيس المهرجان، الناقد الأمير أباظة، موضحا أن الاستفتاء شارك فيه أكثر من 40 ناقدًا ومتخصصًا من مصر والوطن العربي، من بينهم: “طارق الشناوي، صفاء الليثي، عبد الكريم قادري، كاظم السلوم، محمود عبد الشكور، ميرفت عمر”، المشرف العام على الاستفتاء.
لعبة الفرد والجماعة
يمثل تيار الواقعية الجديدة، نقطة الانطلاق لقائمة أهم 100 فيلم سياسي، سواء في تصدر فيلم “الكرنك” 1975 لعلي بدرخان، أو من خلال حضور عاطف الطيب في المركز الثاني بفيلمه “البريء” 1986. يلتقي العملان في تصوير الواقع السياسي والاجتماعي بأسلوب مباشر يعتمد على التصاعد التدريجي، تميز بالرمزية المكثفة والطابع الدرامي عند بدرخان، وبالواقعية المتوازنة بين الإنسان والسلطة الغالبة على معظم أفلام الطيب. كما يتتبع كلا الفيلمين رصد تحولات مفهوم البراءة وتبددها عند مواجهة الفرد لسطوة الأنظمة، نتابع هذا مع “زينب وإسماعيل -سعاد حسني ونور الشريف” طلاب الطب المترددين على المقهى، أو عبر “أحمد سبع الليل- أحمد زكي”، جندي الأمن المركزي، ليكون كلا الفريقين شاهدا على الصراع بين وعي الفرد وإملاءات السلطة.
في المراكز التالية، تتحول السياسة على الشاشة من البطولة الفردية إلى معركة جماعية ضد القمع، يتجلى هذا في فيلمين من إخراج حسين كمال، “شيء من الخوف” 1969 و”إحنا بتوع الأوتوبيس” 1979، كلاهما ينتهي بنهايات ثورية تدفع الجماعة للتكاتف؛ فمثلا يتحد أهالي القرية ضد هيمنة “عتريس” وحين ينهضون يحركهم النداء الشهير، “جواز عتريس من فؤادة باطل”، عن طريق حشد جماعي مشابه، ينضم المظلومون في الأوتوبيس، حتى رجال النظام المخدوعون منهم، في مواجهة القمع ذاته. أما فيلم “في بيتنا رجل” 1961 فيأتي في المركز الخامس، وفيه برع المخرج هنري بركات في التحرر من القيود التقليدية للكاميرا، مستفيدًا من لغة بصرية مبتكرة، منحت الفيلم مساحة أوسع لتجربة الفرد في مواجهة قهر السلطة والأنظمة.
أفلام وحُكام
في المركز الثامن، يأتي فيلم “العصفور” ليوسف شاهين، الذي عُرض مطلع السبعينيات بعد فترة وجيزة من نكسة 1967. يتتبع شاهين في هذا العمل أسباب الهزيمة، وكيف تفاجأ بها الجميع بعد أن كان الجو العام مشحونا بتطلعات وآمال شعبية مع ثورة الضباط الأحرار. لقد آمن شاهين بالحلم الناصري وطموحات القومية العربية، وفي الوقت نفسه لم يتردد في نقدها ضمن مراجعات فكرية وسياسية عايشها الكثيرون، انعكس هذا التوتر بين الإيمان والنقد في عدد كبير من أفلامه على كلا المستويين الشخصي والسياسي. وبرغم كشف الفيلم عن أوجه من الأسباب المؤدية للهزيمة، يختتم شاهين العمل بمشهد يؤكد التكاتف الشعبي حول الزعيم المهزوم بمنحه فرصة أخرى، وهو موقف غير معهود في مثل هذه الحالات، نادرًا ما يحظى به رئيس دولة كما حدث مع عبد الناصر.
على عكس هذا التكاتف، يعكس الفيلمان الأخيران في القائمة حالة من الرغبة في التطهر من عصر بائد، حتى أن أحدهما يرفع شعار البداية في نهايته، “القاهرة 30” 1966 لصلاح أبو سيف في المركز العاشر، تعبيرا عن الانتقال من حقبة سياسية قمعية إلى رحاب الحكم الذاتي مع قيام ثورة يوليو، ما ينطبق أيضًا على فيلم “غروب وشروق” 1970 إخراج كمال الشيخ، الذي يصور صراعات الحقبة الملكية في تداعيها الأخير، ويبرز كيف أن التجديد السياسي والمجتمعي الشامل لا يأتي إلا عن طريق أبناء الأرض؛ أو هكذا كان يُظن؛ فمنذ ذلك الحين لم تمر أي فترة رئاسية في مصر دون أن تترك انعكاسها على الشاشة، سواء بالسلب أو الإيجاب.
رغم اختلاف الأزمنة وتباين الأساليب الفنية، تتقاطع هذه الأفلام في رسم صورة مركبة للتاريخ السياسي المصري، بداية من مقاومة الاستعمار وتغول الحقبة الملكية، مرورًا برصد مواجهات القمع المؤسسي وما ارتبط بالحقبة الناصرية من استبداد، وصولًا إلى التسعينيات بما حملته من أسئلة كثيرة مثل الخصخصة والتوريث وقضايا الإرهاب. انعكس هذا في فيلمين متتاليين لشريف عرفة، “الإرهاب والكباب” 1995 و”طيور الظلام” 1995 بطولة عادل إمام، يحتلا المركزين السادس والسابع في القائمة.
ويأتي اسم عرفة هنا كأصغر جيل بين المخرجين الحاضرين في الأفلام العشرة، الأمر الذي يثير سؤالًا حول ما إذا كانت بقية القائمة ستكشف عن حضور أوسع لأجيال جديدة. على أي حال، ما يزال 90 فيلمًا أخرى لم يُكشف عنها بعد، غير أن ما أُعلن حتى الآن ربما نجح في إثارة فضول النقاد والجمهور، ما يوحي بأن الدورة المقبلة من المهرجان ستعيد النقاش حول موقع “الفيلم السياسي” في تاريخ السينما المصرية.